من قارئاتها إلى نجمتها التي في السماء..السيدة راء ”نبية قلوب محبيها”
الأكثر مشاهدة
"هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا"، كلمات السيدة "راء" إلى مريدينها الذين يطوفون حول كلماتها ويعرجون بين أعمالها، لتنقلهم الكلمات إلى السماء دون الانفصال عن الواقع، فرحلت "رضوى عاشور" عن عالمنا منذ عامين، ولكنها راسخة كالجبل في قلوب محبيها، فزرعت الكلمات في عقول الشباب ليكون الحصاد محبتهم.
أحببنا في ذكراها الثانية أن نفرد مساحة لقرائها بأن يكتبوا هم عنها لا أن نكتب نحن عنها وعنهم.. وتلك هى رسائلهم المُحبة...
سميرة حمزة: السيدة راء.. أكتب إليك اليوم شوقًا ووفاءً
عزيزتي السيدة راء، الجميلة كوطن محرر، الحافظة لكل شوارع مصر "بالسنتي"، الجبل الذي ضرب به المثل في الرسوخ، مر عامان على غيابك عن حياة كان وجودك بها يخفف من وطأة وحشتها، غيابك الذي صار أمرًا من الأمور الأكثر إيلامًا، التي نحجبها بالحكي عن أمور أخرى موجعة.
تفرقنا وعلى الله الرجوع، تواسينا نجمتك الحاملة لروحك في السماء، نحاول التواصل مع نورها ليحمل إليك شوق الوصل والتلاقي، فكيانك ووجودك وهالتك الساقطة بثنايا الصفحات التي قرأناها لك كان الاتجاه الوحيد الذي ركضنا نحوه محمومين دون أن نعود للركض في الاتجاه المعاكس.
أكتب إليك اليوم شوقًا ووفاءً، فأنت من علمتنا أن " الأموات يحتاجوننا كما نحتاجهم، إن لم نوافهم بالسؤال يثقلهم الحزن و تركبهم الوحشة" ، رغم أننا نعلم جميعًا علم التمني و اليقين المطمئن أنه "لا وحشة في قبر رضوى".
أكتب إليك لأن اسمك وحده وكتاباتك التي أدخر بعضها دون قراءة حتى الآن عمدًا وخوفًا، يؤكدان لي مع كل صباح أن فى هذه الحياة رغم كل شيء، ما يستحق الحياة.
قد يبدو أنه صار "كليشيه" دارج أن كل من يكتب عنك ولك يقتبس من أقوالك، قد يكون الأمر مملًا ومبتذلًا، ولكن هيبة كتابة شيء يمسك تجعل الكلمات عصية على التدفق إلى الرأس، فيلجأ كل منا إلى ما حُفر بقلبه عنك، فتستقبله سنابل الكلمات التي غرست به، وبكل سنبلة مائة جملة من كلماتك، ضاعفها الله لمن شاء ولمن أثقله ألم غيابك الذي بدا كخيط دقيق مضفور بخيط آخر من الزهو,ربما ..ومن الامتنان لك.
"ما أعرفه جيدًا أن وجودك ولو فى البعد هو سند هائل لى"، فقد علمتني أن أكتب، كي "أترك شيئًا في منديلي المعقود"، علمتني أن كل شيء سيمر مهما بدا ثقيلًا وموحشًا في البداية، وأنه بإمكاني التحكم بألم الذاكرة الذي لا يطاق وفرض إرادتي عليه، علمتني أن أكف عن البحث فيما وراء بعض الأشياء كتآلف الأرواح وتنافرها، و أنه من الحكمة أن أقبل أحيانًا بالنسبي بدلًا من التعلق عديم الفائدة بالمطلق، ولكنه لا مانع من أن أتعلق بقشة عند الغرق.
ربتي على كتفي حين ذكرتني بأن الرابطة بين الأشياء و إن انقطعت، فإنها "تترك علامة كتلك العقدة الغائرة في منتصف البطن". لم تبخلي علي بالسفر لأرجاء قد يمر عمري كاملًا دون تنفس هوائها، فصار برئتي الآن قطعة هواء ثقيل من الأندلس، وأخرى من فلسطين.
سيدتي راء، حكايتك لم ولن تنته، مادامت قابلة لأن تروى حتى وإن سحب موتك الأرض من تحت أقدامنا.
مها عصام:أحببت صدقك وبساطتك في الحديث والسرد..أحببت الأندلس فيك
كثيرا ما وعدنا شيخنا باستراداد الأندلس، لن أخفي عليكي سيدتي أن الأمر لم يكن يفرحني كثيرا، فدائما ما أسمع عن استرداد القدس، أما استرداد الأندلس فهو جديد عليَّ، لكن بعدما قرأت ثلاثية غرناطة والحديث عن ذلك الفردوس المفقود الذي حكيتي لنا عن إمارة واحدة فيه وهي غرناطة ...فماذا عن باقي مدن تلك الجنة المفقودة.
أحببت سكان الأندلس وعلوم الأندلس وحياة الناس في الأندلس، لدرجة أني أفكر في أن أسمي ابنتي –إن شاء الله- أندلس، حبا في تلك البلاد التي رسمها قلمك لنا، وكأنك أحد سكانها، قرأت مرة أن الأطفال هو الوحيدون المطلعون على ما في كل بيوت المدينة لأنهم يدخلون أي مكان بلا قيود حتى من أهل المكان، وأنت الي شعرت وهي تحكي لنا عن غرناطة أنها واحدة من هؤلاء الأطفال، دخلت بنا كل بيت، بل وكل نفس من نفوس أفراد الرواية، اخترقت عينا قلبك الجسم الظاهر ودخلت لأعماق النفس تطوفين فيها، تارة تكشفين وتارة تهدهدين وتارة تقسين على أصحابها.
أحببتك وأحببت صدقك وبساطتك في الحديث والسرد، أحببت الأندلس فيك، لم انتهي بعد من قراءة كل ما فتح الله به عليكي، ولكني أعدك سيدتي أن أفعل إن شاء الله، أريد أن أعرف بعينيك وقلبك وقلمك أنت...رحمك الله وأحياكي بيننا بكتبك التي خلفتها.
إيمان عبدالعاطي: كل الليالي بصحبة سيدتي، وقهوتها ونس
رضوى، ها هي مرت سنة أخرى على تركك لنا، أخذتي سلة الأمل المعلقتان بكفوفك دائما وأبدا، وذهبتي، ذهبتي لتعطيها لمن يستحقها هناك، تعلق في ذهني كلمات قصيدة تميم، "وأمي حافظة السير ..أصل السير كارهاً"، تكتب بحبر الليالي تقوم تنورها وتقول يا حاجة إذا ما فرحتي وحزنتي، وفين ما كنتي، أسجل ما أرى للناس، تفضل رسايل الغرام للي يقدرها، وما أجمل غرامك يا رضوى.
تمر الليالي هكذا، ليلة مع سوسن وسعد، وليلية مع آمنة وسعيد وعمار، وليلة مع شمس وبشرى وطه وسلمى، وليلة نصفها مع سلمية وأبا جعفر، ونصفها الآخر مع مريمة وعلي، وليلة مع شجر، وليلة مع ندي، وليلة مع رقية، وليلة آخرى أذهب مع الناظر لأرى قطعة من أوربا.
وراء ورحلتها وأطيافها ليلية بعد ليلة، وكل الليالي بصحبة سيدتي، وقهوتها ونس، ومن معه محبوبه، كيف له أن يوحش، هناك ليالي استيقظ في سحرها، وهكذا اتمتم بلا سبب، أريد محادثتك رضوي، أريدك أنتي راء لا أريد رسائلك.
افتح النافذة، وأردد كلماتك التي جاءت على لسان عمار:"هذه النجوم في السماء هي أرواح أحبابنا الذين ذهبوا، نارها عذاب الفراق، ونورها شوق الوصل والتلاقي".
أنتي هنا هل تسمعيني يا رضوى؟!أعدت قراءة "أثقل من رضوى" و "الصرخة"، مرات مرات ، حتى كدت أن أحفظهم هذه الأيام.
انتقل من صفحة لصفحة، ومن فصل لفصل، وكأني اجلس بقربك، وتقصين لي أنا، ثم أتوقف طويلا عند كلمة "تعبت"، ااااه يا"رضوى" والله أنك تألمتي كثيرا، ولكني واثقة من راحتك في فردوسك الآن، بصحبة أولادك، كما كنتى تطلقي عليهم "الحلوين".
احسد من لمس يدك ، وقبل وجنتك وأنتي تسيرين في ميدان التحرير، فكانت أمنيتي فقط أن أراكي، ولو لبضع دقائق، لا اطمع في زيادة ، اتطلع في هذا الوجه الحلو، وأقبل يدك، وأغدو بعدها..ما تريد الحياة فعله فلتفعله.
ضحى أحمد: إليكِ السلامُ يا سيدتي
أكتبُ إليكِ بينما تُطالعني كلماتُكِ في كُتبكِ الأدبية الثلاثة عشر، أبقيهم صوب ناظري دومًا، أستأنسُ بهم، أتذكُر جملةً منهم فأنقُرُ على كتفك باستحياء، تلتفتين لي من انهماكك لتُشاركيني الحديث فيما تَذَكَرْتُه، أقلب صفحات أكثر بينما تسرحين وتبتسمين وتتذكرين مواقف أكثر تقُصِينها عليّ.
اليوم يمُرُ العامين.. وقد أنجزتُ وعدًا من الوعود التي قطعتها لكِ، مازال هناك وعود أخرى أعلم.. لكنني في خضم نظرات تأنيبكِ اللطيفة يصيبني نوعٌ من الزهو أنكِ تهتمين بي وبتأنيبي لأنهض في كل مرة ولا أتكاسل عن هذه الوعود.
عامان يا رضوى.. وثلاثة أعوام منذ أن بدأتُ علاقتي بكِ/أدبكِ ووقعتُ في حب روحكِ منذ أول كتاب قرأته لكِ/أطياف، أقربُ كُتبك لقلبي على الإطلاق، ولا أتذكُر إن كنتُ قرأت هذا في مكان ما أم أن خيالي اصطنعه لكني أظن أنه أقربُ كُتبكِ لكِ أيضًا.
ثلاثةُ أعوام منذ بدأتُ رحلتي معكِ لأختمها في نفس التوقيت الذي بدأتُها فيه وفي نفس التوقيت الذي تركتِنا فيه منذ عامين، بـ "الرحلة"، أقرأ لكِ وتأتين كعادتكِ تقرأين تعابير وجهي تستشرفين انطباعي بينما أقرأ حتى أكادُ حين أرفعُ وجهي عن السطور أراكِ حقيقةً فأبتسمُ لكِ محاولةً ألا أدمع لإدراكي حقيقة غيابِكْ.
هل أتخيلُ يا سيدتي أم أنه التقدير بلغ بي مبلغ الجنون أم أننا فعلا نتشارك كثيرًا من الصفات والأفكار بل وأحيانًا تفاصيل الحياة؟،أم أنه أنت بكلماتِكِ السحرية تستطيعين الاقتراب من أيّ شخص تقع عينه على كلماتِك فتُشْعِرينَهُ بالألفة والصداقة وراحة الثرثرة غير المُقيدة مع خلٍ قريب؟ بالتأكيد هي الثالثة.
عامان يا سيدتي الجميلة وكلما قرأتُ لكِ أجدُ منكِ تعزيةً عن ظلم الزمان لي لأنه لم يُمهلني ولم يُمهلكِ قليلًا حتى أقابلُكِ، ليس لشيءٍ إلّا لكي أخبركِ على الأقل بهذه الكلمات وجهًا لوجهكِ الصابح.
لم تكن حياةً كلها بؤس يا رضوى، أعلم.. كان بها بعض حبات البندق، أجدُكِ وأنتِ من قاسيت ألمًا طوال حياتك، لم يقتصر على حدودك الشخصية فقط بل تجاوزها إحساسُكِ لآلامنا القومية غير المنتهية، أجدُكِ رغم كل هذا الألم تُشيرين لحبات البندق المختبئة عن ناظرنا، أجدُك تنظرين بعين الأستادة الباحثة التي تستشرف المستقبل بثقافة التاريخ، وبعين المرأة العنيدة التي ترفُض الاستسلام لهشاشتها وضعفها الموروث، وبعين المؤمنة أن الخالق رحيمٌ بنا وله من لطائفه الخفية ما نعجزُ عن إحصائه.. وبعين الطفلة -رغم اقترابها من حاجز السبعين- التي لا ترى شرًّا في المستقبل بل تراهُ ممتدًّا منبسطًا يحملُ الجديد الطيّب.
يخاطبني البعضُ يا سيدتي مُعجبين ومُتعجبين من حبي لكِ ورُغم صدق حبي ذا أخجلُ, إذ أشك إن كنت أديتُ ما يجبُ على المُحِبّ. أعترف أنني أسقط إلى هوة اليأس كثيرا وأكفُر بالمقاومة وجدواها، وفي هذا أرى تقصيرًا ولهذا أخجلُ إذ لا أتصف بمقاومتِكِ وعنادك.
عامان يا أستاذتي المرحة وأمي الروحية الطفلة وسيدتي العنيدة الطيبة..طبتِ يا رضوى.. طبتِ وطاب ذكرُكِ وطابت كلماتُكِ صديقًا ومؤنسًا لمن يلتمسها..رحماتٍ وسلامٌ وسكينة من الله عليكِ تُغلُّفكِ وروحكِ يا السيدة.
هند جمعة: وأنا أقرأ لك، أتخيلك وأنت تكتبين
"وأنا أقرأ لك، أتخيلك وأنت تكتبين، أرى وجهك، جلستك، حركة يديك، مكتبك، فأشتاق أكثر"، هل كانت السيدة التي فتحنا لها الباب لتدخل كما أمرنا زوجها في حفل تأبينها تكتب ما ينطبق عليها تمامًا؟! هل كانت تدري أن هذا المشهد التخيلي هو ما يدور بخلد كل من يقرأ لها ويقرأها عقب كل رواية نقرأها لها ؟!.
تسائلت "أم تميم" في روايتها "فرج" عما إذا كان في المرء كيمياء تقرِّب وتبعد؟ وأتسائل أنا عماإذا كانت هذه الكيمياء لها القدرة على التسرب في صورة روحية من نسيج الاوراق ؟ فكل من يكتب عنها و إليها يبدو كما لو كان مقربًا منها أو يعرفها بصورة شخصية، يحسبه القارئون لكلماته من أولئك الذين سعدوا وشرفوا بالاقتراب من دائرتها المعرفية.
حين عرفت بنبأ وفاتها، كان أول ما جال بخاطري يعد إدراك الصدمة هو معرفة مكان العزاء وكأنها أحد أقاربي. ولم لا؟ أليس ما قرأناه وما كتبته كاف بخلق رابطة قد تكون أقوى من رابطة الدم؟.
عامان مروا ولم نتعود على غيابها، أو خشينا أن نعتاده على الأرجح، فالتعود يلتهم الأشياء كما حذرتنا. ذكراك يا سيدتي عصية عليه، وصيانتها فرض عين علينا جميعًا.
الكاتب
سمر حسن
الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا